قمة أبوجا- نحو تعاون أمني في غرب أفريقيا يتجاوز السيادة والانقسام

المؤلف: عبد الرحمن كان08.23.2025
قمة أبوجا- نحو تعاون أمني في غرب أفريقيا يتجاوز السيادة والانقسام

في رحاب العاصمة الغانية أكرا، عام 2024، التأمت نخبة من الباحثين القادمين من شتى ربوع غرب أفريقيا، ضمن فعاليات مؤتمر مرموق خُصص لمناقشة سبل مكافحة ظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. لكن ما جمع هذه الكوكبة المتميزة من العقول النيرة لم يكن مجرد موضوع المؤتمر في حد ذاته، بل كان إدراكًا عميقًا لتجارب متشابهة ومصائر متشابكة، تجلى بوضوح في نقاشات جانبية ثرية سرعان ما تجاوزت نطاق الجلسات الرسمية وعناوينها.

في إحدى تلك الأمسيات الحافلة بالحوارات المثمرة، انطلق الحديث بيننا حول انسحاب دول الساحل من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، لكن النقاش سرعان ما انزلق إلى ما هو أبعد وأعمق من مجرد حدث سياسي عابر؛ إلى استحضار ذاكرة مليئة بالحدود التي رسمتها تفاهمات القوى الاستعمارية الغاشمة، دون أدنى اعتبار لإرادة الشعوب ورغباتها.

استعدنا معًا صورة "الاتحاد المالي" العريق بين السنغال ومالي، واسترجعنا تجارب الممالك المشتركة التي امتدت عبر أراضي أكثر من دولة، وتبادلنا مشاعر الحزن الصامت على تاريخ حافل قُطّعت فيه الروابط العريقة بوحشية بسكاكين الخرائط الاستعمارية. وعلى الرغم من اختلافنا في وجهات النظر، وتباينت رؤانا بشأن الدوافع الكامنة وراء هذا الانسحاب المؤسف؛ إلا أن ذلك لم يُفسد أو يشوه ما يجمعنا من ألفة عميقة وفهم متبادل راسخ.

هذه الصورة المصغرة تجسد بشكل جلي مفارقة غرب أفريقيا في الوقت الراهن: اختلاف في الرؤى السياسية لا ينفي بأي حال من الأحوال وحدة المصير الأمني المشترك. فبعد مرور عام كامل على انسحاب دول اتحاد الساحل (AES) من الإيكواس، لا تزال المنطقة برمتها تتأرجح بشكل واضح بين شرعية السيادة الوطنية المتنامية وضرورة التعاون الأمني الوثيق. لقد مثل هذا الانسحاب ذروة سنوات طويلة من الشكوك المتبادلة العميقة: اتهامات صريحة بالتبعية للخارج من جهة، واتهامات بالانقلاب الصارخ على الشرعية من جهة أخرى.

لكن البيان المشترك الصادر في مايو/ أيار من عام 2025 كشف عن حقيقة دامغة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها: أن الجماعات الإرهابية المتطرفة لا تعترف إطلاقًا بحدود سياسية مصطنعة ولا بانتماءات إقليمية ضيقة، هذا التهديد المشترك يفرض بشكل قاطع على جميع الأطراف، على الرغم من خلافاتها العميقة، إعادة النظر بشكل جدي في أولوياتها الاستراتيجية.

ويبقى السؤال المطروح بإلحاح: هل نجحت قمة أبوجا الحاسمة – التي عُقدت في يونيو/ حزيران من عام 2025 – في تحويل هذه ‘الحتمية التعاونية’ إلى آليات ملموسة وفعالة لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه وتجاوز أزمة الثقة المتفاقمة بين الطرفين؟ وهل أرست هذه القمة أسسًا متينة لبناء نموذج أمني شامل يحترم سيادة الدول ويصونها دون التضحية بأمن الشعوب وسلامتها؟

تحاول هذه المقالة المتعمقة الإجابة عن هذه الإشكاليات المعقدة من خلال تحليل دقيق لدور قمة أبوجا في بناء جسور الثقة المتينة، وتقييم مدى قدرتها الحقيقية على صياغة نموذج تعاوني ناجح يتجاوز التناقضات الظاهرية بين السيادة الوطنية الراسخة والأمن الإقليمي الشامل.

الثقة الأمنية وضرورة تعزيزها في العلاقات الإقليمية

تعتبر الثقة الأمنية حجر الزاوية الأساسي في استقرار العلاقات الإقليمية المتينة؛ حيث إنها تعني بشكل واضح تقليل الشكوك وتعزيز التعاون البناء بين الدول لمواجهة التهديدات المشتركة بفاعلية. ومع ذلك، تواجه عملية بنائها تحديات جمة، أبرزها الشكوك الأمنية المتبادلة المتأصلة، كما يتضح في اتهامات الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لبعض أعضائها بالتواطؤ مع قوى خارجية معادية، حيث تُستخدم الأدوات الأمنية في هذه الحالة كوسيلة للهيمنة والتوسع بدلًا من التعاون المثمر.

وفي هذا السياق الحساس، يبرز نموذج المملكة المغربية الذي انسحب من الاتحاد الأفريقي في عام 1984 بسبب خلافات حادة حول قضية الصحراء، قبل أن يعود إليه في عام 2016 بعد إدراكه العميق أن التغيير من الداخل هو أكثر فاعلية وتأثيرًا.

وفي المقابل، يُظهر الانسحاب الأخير لرواندا من المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (إيكاس) تداعيات سلبية وخيمة؛ حيث فشلت المنظمة فشلًا ذريعًا في احترام مبادئها الأساسية، مما أدى إلى زيادة حدة التوترات الإقليمية المتصاعدة، خاصة مع جمهورية الكونغو الديمقراطية.

تُؤكد هذه الحالات بوضوح أن غياب الثقة الأمنية يُضعف بشكل كبير التكتلات الإقليمية، ويجعلها رهينة للصراعات الجيوسياسية المعقدة. ولضمان استقرار منطقة غرب أفريقيا الحساسة، يجب على منظمات مثل "إيكواس" و"آيس" تبني آليات شفافة وفعالة لبناء الثقة المتبادلة، مع التركيز بشكل أساسي على المصالح المشتركة بدلًا من الانقسامات السياسية العميقة، فبدون ثقة أمنية متبادلة، ستبقى الجهود الإقليمية هشة للغاية وعرضة للانهيار في أي لحظة، ما لم يتم إنشاء لجان مشتركة لمراقبة الحدود بدقة، وتنسيق استخباراتي فعال، بعيدًا عن النفوذ الخارجي.

جذور الأزمة: من الاتهامات إلى الانسحاب

تصاعدت حدة الاتهامات المتبادلة بين دول الساحل (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) والإيكواس بشكل ملحوظ، حيث اتهم الرئيس البوركيني إبراهيم تراوري دولًا بعينها مثل كوت ديفوار وبنين بـ "دعم زعزعة الاستقرار الإقليمي" عبر استضافة قواعد عسكرية فرنسية على أراضيها وتدريب "إرهابيين متطرفين".

كما وجهت دول الساحل انتقادات حادة اللهجة إلى الإيكواس، واصفة قراراتها بـ "المدعومة بشكل كامل من فرنسا"، واتهمتها بتعميق الشقاق الإقليمي عبر دعم الوجود العسكري الفرنسي المتزايد في المنطقة، بينما تجاهلت – وفقًا لزعمها – مكافحة الإرهاب بشتى الطرق.

من جانبها، عبرت الإيكواس عن شكوكها العميقة تجاه التوجهات العسكرية المتزايدة لدول الساحل، خاصة بعد تقاربها الملحوظ مع روسيا عبر "مجموعة فاغنر" سيئة السمعة التي تحولت لاحقًا إلى "الفيلق الأفريقي"، ما اعتبرته تهديدًا مباشرًا وخطيرًا للأمن الجماعي الإقليمي.

كما أشارت إلى أن انسحاب هذه الدول يمثل انتهاكًا صريحًا للمادة 91 من معاهدتها الأساسية، التي تشترط إخطارًا مسبقًا قبل عام كامل. وأعربت عن قلقها البالغ من تآكل التكامل الإقليمي الشامل، خاصة مع تعليق مشاريع أمنية واقتصادية حيوية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.

ويُهدد هذا الانسحاب بتفكك التكامل الإقليمي المتين، حيث قد تفقد دول الساحل مزايا جوازات السفر الموحدة وحرية الحركة لما يقرب من 72 مليون مواطن، كما تواجه عقوبات اقتصادية قاسية وعزلة دبلوماسية خانقة.

مع ذلك، تؤكد هذه الدول سعيها الحثيث لتعويض الخسائر الفادحة عبر إقامة تحالفات جديدة، بينما يحذر خبراء متخصصون من تداعيات أمنية كارثية محتملة، خاصة مع استمرار تمدد الجماعات المسلحة المتطرفة في المنطقة.

قمة أبوجا: الاختبار الضروري لحتمية التعاون الأمني

انعقدت القمة العادية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في العاصمة النيجيرية أبوجا في الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران عام 2025، في ظل ظروف استثنائية بالغة التعقيد، تمثلت في الانسحاب الرسمي والمؤثر لدول تحالف الساحل: (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) من المنظمة الإقليمية، وما رافق ذلك من تحديات أمنية وسياسية جسيمة، جاءت هذه القمة كمحطة حاسمة لاختبار مدى قدرة الإيكواس على الحفاظ على التعاون الإقليمي الوثيق في مواجهة تنامي النفوذ الروسي المتزايد في دول الساحل وتراجع الوجود الفرنسي التقليدي، وتصاعد التهديدات الإرهابية التي تهدد استقرار المنطقة بأكملها.

الأمر الذي قاد الطرفين على الفور من خلال مشاورات مكثفة بين وزراء خارجية اتحاد دول الساحل (AES) ورئيس مفوضية الإيكواس في الثاني والعشرين من مايو/ أيار عام 2025 إلى الاتفاق على إطلاق مفاوضات شاملة تتضمن القضايا السياسية والدبلوماسية والأمنية والاقتصادية الهامة، مع التركيز بشكل أساسي على الحفاظ على مكتسبات التكامل الإقليمي القيمة، مثل حرية تنقل الأفراد والبضائع حتى إبرام اتفاقات جديدة ومستدامة، وأبدى الجانبان قلقًا مشتركًا بشأن الوضع الأمني المتدهور في المنطقة، وأكدا على ضرورة التعاون العاجل لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره.

وأكدت القمة بشكل قاطع على ضرورة تعزيز آليات التنسيق الأمني الفعال بين دول الإيكواس ودول الساحل المنسحبة، لا سيما في ظل الاستمرار المقلق لانتشار الجماعات الإرهابية عبر الحدود المشتركة.

وقد جاء في البيان الختامي الصادر عن القمة إدانة صريحة وشديدة اللهجة للهجمات الإرهابية المتكررة وتكليف المفوضية بعقد اجتماع عاجل لوزراء الدفاع والمالية لتفعيل القوة الإقليمية المشتركة لمكافحة الإرهاب. كما أقرت القمة تعزيز نظام معلومات الشرطة الإقليمي (وابيس)؛ لضمان تبادل المعلومات الأمنية بكفاءة عالية.

ويتمثل التحدي الأكبر الذي يواجه المنطقة في مدى قدرة الإيكواس على التعاون الفعال مع حكومات الساحل التي تعتمد بشكل متزايد على الشراكة الأمنية مع روسيا، في وقت تتهم فيه بعض الدول الأعضاء موسكو بتقويض الاستقرار الإقليمي بشكل ممنهج.

وهنا تبرز إشكالية الثقة المتأصلة، حيث يرى بعض المحللين المتخصصين أن التنسيق الأمني مع دول الساحل قد يصطدم بصراع النفوذ المحتدم بين القوى الدولية الكبرى، مما يستدعي بالضرورة اتباع مقاربة دبلوماسية مرنة وذكية تعطي الأولوية القصوى للأمن الإقليمي على التنافس الجيوسياسي.

الانسحاب السلس لدول الساحل

لقد أظهرت القمة حرصًا بالغًا من جانب مجموعة الإيكواس على إدارة انسحاب دول الساحل بشكل سلس ومرن، تجنبًا لحدوث انقطاع كامل للروابط الاقتصادية والأمنية الوثيقة التي تربطها ببقية دول المنطقة. وقد كُلف كبير المفاوضين بمهمة حساسة تتمثل في ضمان استمرار حرية تنقل الأفراد والبضائع على الرغم من الانسحاب، وهو ما يعكس إدراك الطرفين لحتمية التعاون البناء على الرغم من الخلافات السياسية العميقة.

ولكن الخلاف الجوهري يكمن في ترتيب الأولويات الاستراتيجية؛ فبينما تركز الإيكواس بشكل أساسي على الحفاظ على التكامل الإقليمي الشامل، تؤكد دول الساحل في المقابل على أولوية السيادة الوطنية المطلقة ورفض أي شكل من أشكال "التدخل الخارجي"، وهو ما ظهر جليًا وواضحًا في مواقفها السابقة خلال المحادثات المثمرة مع الإيكواس في مايو/ أيار عام 2025.

كما أن الدعوة الرمزية لقادة الساحل لحضور احتفالات الذكرى الخمسين لتأسيس الإيكواس – على الرغم من انسحابهم – تشير بوضوح إلى محاولة جادة لغرس جسور التواصل الفعال، لكنها تبقى رهينة التوافق على صيغة تعاون بناءة لا تمس شرعية الأنظمة العسكرية الحاكمة في تلك الدول.

وتزامنت هذه القمة الهامة مع تحركات دبلوماسية مكثفة، مثل الزيارة التي قام بها الوزير الأول النيجيري إلى دولة مالي في مايو/ أيار عام 2025، واستقبال رئيس النيجر لمبعوث المشير خليفة حفتر، مما يعكس المحاولات الحثيثة التي تبذلها دول الساحل لتعزيز تحالفاتها خارج الإطار التقليدي للإيكواس.

وفي المقابل، سعت الإيكواس جاهدة إلى توظيف الوساطة السنغالية والتوغولية لاحتواء الأزمة المتفاقمة، وهو ما أشاد به البيان الختامي للقمة. بالإضافة إلى استقبال الرئيس البوركيني الكابتن إبراهيم تراوري للمبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي، أنطونيو تيتي، حامل رسالة هامة من الرئيس الأنغولي جواو لورينكو؛ حيث ناقشا باستفاضة التحديات الأمنية المعقدة في منطقة الساحل وسبل تعزيز التضامن الأفريقي وتوحيد الجهود الرامية إلى إيجاد حلول جماعية شاملة.

مثلت قمة أبوجا اختبارًا حاسمًا لمدى مرونة الإيكواس في التعامل البناء مع دول الساحل، وقدرتها الفائقة على تحقيق التوازن الدقيق بين الضغوط الدولية المتزايدة والمصالح الإقليمية المشتركة.

وإذا نجحت المنظمة في تحويل التوصيات القيمة إلى إجراءات ملموسة وفعالة – مثل تفعيل القوة المشتركة المتأهبة لمكافحة الإرهاب وضمان انسحاب سلس ومنظم لدول الساحل – فقد تعيد تشكيل نظام الأمن الإقليمي بشكل كامل بعيدًا عن الاستقطابات الدولية الحادة. أما إذا فشلت في تحقيق ذلك، فقد تزداد المنطقة انقسامًا وتشتتًا، مما يهدد بانهيار كامل للتعاون الإقليمي لصالح تحالفات جديدة تقودها قوى خارجية.

توصيات لتجاوز الأزمات

في ظل التحديات الأمنية المتزايدة والانقسامات الجيوسياسية العميقة، تبرز الحاجة الملحة إلى نموذج تعاوني جديد يستند بشكل أساسي إلى فصل الأمن الضروري عن التنافس الدولي المحتدم، مع الحفاظ التام على المصلحة الإقليمية المشتركة.

وتشير التطورات الأخيرة المتلاحقة، مثل الاتفاقيات الأمنية الهامة بين السنغال وبوركينا فاسو واللقاءات المباشرة بين القيادات العسكرية في المنطقة، إلى أن سيناريو التعاون الإقليمي لا يزال قائمًا وواقعيًا، لكنه يحتاج إلى دعم مؤسسي قوي من جانب "إيكواس" لتحويله إلى واقع ملموس يعيد تشكيل النظام الأمني الإقليمي بشكل كامل، من خلال تحويل توصيات قمة أبوجا الحاسمة إلى إجراءات عملية ملموسة. وفيما يلي أهم التوصيات المقترحة:

  • أولًا: يلزم أن تكون "إيكواس" بمثابة منصة محايدة وفعالة للغاية لتنسيق الجهود الأمنية المشتركة، بعيدة تمامًا عن التدخلات الخارجية والتنافسات الدولية الضيقة، وتعزيز القدرات الذاتية للقوات الإقليمية المشتركة، عبر تفعيل "قوة إيكواس المشتركة لمكافحة الإرهاب" بتمويل وتخطيط إقليمي خالصين، سيكون ذلك بمثابة خطوة حاسمة وهامة لتجنب الارتباط بأجندات خارجية خفية تزيد من تعقيد الأزمة.
  • ثانيًا: لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال الدور المحوري والهام لدول تحالف الساحل (آيس) في المعادلة الأمنية الإقليمية. فبدلًا من التعامل معها كخصم لدود، يجب النظر إليها كشريك ضروري ولا غنى عنه في مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، والعمل معها على إنشاء منصة مشتركة لتبادل المعلومات الاستخباراتية الهامة، مع الاحترام الكامل لسيادة كل طرف، سيمكن ذلك من مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة بشكل أكثر فاعلية وشمولية.
  • ثالثًا: الإرادة السياسية القوية هي العامل الحاسم في نجاح أي تعاون إقليمي، والتركيز بشكل أساسي على الأولويات الأمنية العاجلة وتجاوز الجدل العقيم حول شرعية الأنظمة الحاكمة، سيساهم بشكل كبير في بناء الثقة المتبادلة بين الأطراف، ويمكن أن يكون عقد قمم مصغرة دورية بين قيادات "إيكواس" و"آيس" بمثابة بداية طيبة لتعزيز الحوار البناء.
  • رابعًا: يجب العمل على تعزيز دور الدول الوسيطة الفاعلة مثل السنغال وتوغو وغانا، التي تتمتع بعلاقات متوازنة مع جميع الأطراف، لإدارة مبادرات "ميثاق أمني إقليمي" شامل؛ لأن ذلك يوفر إطارًا واضحًا ومحددًا للتعاون البناء بعيدًا عن الشروط السياسية المثيرة للخلاف.

توصيات قمة أبوجا تمثل فرصة ثمينة لإعادة تشكيل النظام الأمني الإقليمي بشكل كامل عبر تقديم حلول أمنية واقتصادية ملموسة وواقعية، مثل تمويل عمليات مكافحة الإرهاب وتحسين البنية التحتية الحدودية الحيوية، دون فرض شروط سياسية قد يُنظر إليها على أنها انتقاص من السيادة الوطنية.

ولتحقيق ذلك، فلا بدّ من توافر إرادة سياسية ناضجة ومسؤولة تعتمد بشكل أساسي على التزام الأطراف بمبدأ "الأمن أولًا"، ووضع مصلحة الشعوب فوق التحالفات الضيقة، من أجل تحويل منطقة غرب أفريقيا من ساحة صراع دائم إلى نموذج يحتذى به للتعاون الذاتي الفعال. وخاصة إذا نجحت "إيكواس" في دعم الاتفاقيات الثنائية الهامة (مثل الاتفاقية بين السنغال وبوركينا فاسو) ووضعت آليات تمويل مستدامة للقوة المشتركة بين السنغال ومالي، فقد تشهد المنطقة تحولًا تدريجيًا نحو تحقيق استقرار نسبي شامل، مع تقليل الاعتماد المفرط على القوى الخارجية.

أما في حال استمرار الجمود بسبب الخلافات العميقة حول النفوذ الفرنسي أو الروسي، وعدم تبني حلول إقليمية خالصة، فإن الفراغ الأمني سيتسع بشكل مطرد، مما يهدد بحدوث موجة جديدة من الهجمات الإرهابية وانهيار كامل للنظام الأمني في منطقة غرب أفريقيا.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة